أشخاص القانون الدولي العام

أكتوبر 18, 2021

خريطة سياسية للعالم ممتلئة بالأعلام الرسمية للدول                                                الدول أبرز أشخاص القانون الدولي العام (مصدر الصورة)

الكلمات المفتاحية: أشخاص القانون الدولي, الدولة, عناصر الدولة, المنظمات الدولية, الشركات متعددة الجنسيات.

 

النظام القانوني الدولي المعاصر - شأنه شأن أي تنظيم قانوني- يقوم على كيانات فاعلة؛ تقوم بتشكيله والتأثير في قراراته وهيئاته الحاكمة وأنساقه الفرعية, ويقوم النظام الدولي على الدول كفاعل دولي رئيسي, عوضا عن الشخصيات القانونية الأخرى كالمنظمات الدولية والأمم والشعوب الساعية للتحرير وغيرها. ويشترط لإكتساب الشخصية القانونية الدولية مجموعة شروط حسب نوع الكيان, ويترتب على هذا الإكتساب مجموعة آثار قانونية والتمتع بحقوق والوفاء بإلتزامات.


1- الدولة:

لقد تطورت فكرة الدولة تبعا لتطور فكر الإنسان وتنوع احتياجاته؛ ففي البداية كان الناس جميعا أمة واحدة, ثم لتكاثر الناس وزيادة الهجرة تباعدت الفواصل بين الناس, فأصبحت هناك جماعات بشرية تؤلف فيما بينها على شكل أسر وقبائل تربطها روابط مشتركة كروابط الدم والعشيرة تؤلف فيما بينها على شكل جماعة لها " طوطم" [1] خاص بها تميزها عن غيرها من الجماعات, ثم لدوافع مختلفة تارة بدافع الفضول والاستكشاف بحثا عن موارد جديدة, وتارة أخرى بدافع تبادل السلع والبضائع لسد الاحتياجات وتحقيق الاكتفاء الذاتي, وزيادة التعاون وتوثيق الصلات والعلاقات وزيادة قوتهم؛ لتمكنهم من درء العدوان واكتفاء شر بعضهم البعض أصبحت هذه الجماعات تؤلف فيما بينها على شكل الوحدات السياسية ( مدينة, دويلة, دولة,.. ) تكون متفوقة اقتصاديا وعسكريا على القبائل والجماعات الأخرى, الأمر الذي دفع القبائل والجماعات الأخرى - بدورها- وأغراها أن تتحد وتندمج فيما بينها هى الأخرى؛ لتقف ندا للأولى وتحمى نفسها منها أو تكون أكثر قوة في محاولة لنهب ما لدى الجماعات الأخرى ولتسيطر عليها زيادة لنفوذها. واستمرت الوحدة والإندماج إلى أن أصبحنا أمام وحدات سياسية مسيطرة على أرض جغرافية يقطنها أفراد ويترأسهم زعيم ( حاكم أو ملك). غير أن الدولة بمفهومها الحالي ( الدولة القومية) فلم تظهر إلا في القرن السادس عشر.

ومن المتفق عليه أن الدولة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية, بل إن الدولة هى القوة المحركة الأساسية في النظام الدولي المعاصر, فأصبحت المحتكر الرئيسي للقوة والموارد وعنصر فاعل في رسم السياسة الدولية المعاصرة. وأي دولة - أيا كان شكلها- هى مجموعة من الأفراد يقطنون إقليم معين تحكمهم سلطة حاكمة, ومن ثم لابد من توافر ثلاث عناصر في كل دولة, وهى: الشعب؛ والإقليم؛ والسلطة الحاكمة.

 

أ- الشعب:

الشعب هم مجموعة من الأفراد يعيشون في إقليم ما بصفة مستقرة ودائمة؛ تؤلف فيما بينها بروابط: تاريخية ( تاريخ مشترك)؛ أو عرقية وإثنية ( لون أو جنس أو أصل مشترك)؛ أو لغوية ( تجمعهم لغة واحدة)؛ أو دينية ( يعتنقون الدين ذاته أو ينتمون لطائفة معينة)؛ أو إيديولوجية ( وحدة الأفكار أو المذاهب)؛ أو جغرافية ( يعيشون على إقليم محدد بحدود طبيعية كالجزر والجبال أو سياسية)؛ أو اقتصادية ( احترافهم لحرفة أو مهنة)؛ أو سياسية ( خضوعهم لسلطة حاكمة واحدة)؛ أو قانونية ( خضوعهم لأحكام تشريعية موحدة كقانون الجنسية). ولا يشترط اجتماع هذه الروابط فيكفي اجتماعهم في واحد منها وإن اختلفوا في غيرها؛ ولا يشترط - أيضا- فيهم عددا معينا من الأفراد؛ فيكفي فيهم البضعة آلاف ( كإمارة موناكو) وصولا للمليار ويزيد ( كالصين والهند).

 

ب- الإقليم:

الإقليم هو المكان الذي يقطنه الشعب, وتمارس عليه السلطة الحاكمة سلطاتها وسيادتها؛ وتنفذ عليه عليه سياساتها الداخلية التي ارتسمتها للدولة. والإقليم إقليمين بري وبحري؛ ولا يشترط اجتماعهما بالضرورة؛ فبعض الدول لم يكتب لها إقليم بحري ( دول حبيسة). والإقليم البري يشمل ما على الأرض من تضاريس ومياه ودواب وعمران, وما دونه إلى طبقات الأرض السفلى, وما علاها من طبقات الجو العليا, ولا يشترط فيها أن تكون كتلة واحدة.

أما الإقليم البحري فيحدد وفقا لأحكام القانون الدولي للبحار والذي قسم ما تلا الإقليم البري من بحار على ثلاث: الأولى هى المياه الإقليمية ( حددت - دوليا- ب 12 ميل بحري) وتعامل معاملة الإقليم البري مع استثناءات خاصة بالعبور البرئ وبشروط خاصة, ثم يليها بعد ذلك المنطقة الإقتصادية الخالصة ويكون للدولة فيها ما حوته بحاره وما دون القاع كالموارد الحية والمعادن, فضلا عن ممارسة سيادتها لأنشطة معينة بشروط خاصة ( حددت ب 200 ميل بحري تالي للحد الخارجي للمياه الإقليمية). وأيا كان الإقليم فإن الأمر - في الواقع- منوط بالسيطرة الفعلية.

ولا يشترط في الإقليم مساحة معينة ( مثل مدينة الفاتيكان مقر الزعامة الروحية لأتباع الكنيسة الكاثوليك الرومية, والتي لا يتعدى مساحتها نصف كم مربع). ولعل هذا العنصر ( عنصر الإقليم) هو الذي يميز الدولة عن البدو والرحالة؛ فليس لهم مكانا يستقرونه, وإنما يسيحون في الأرض ثم لا يلبثوا, إن استقروا مكانا, أن ارتحلوا إلى غيره.

 

ج- السلطة الحاكمة:

كانت الأسر والقبائل تعين واحدا من أفرادها؛ كأن يكون أكبرهم سنا أو أكثرهم علما وحكما, أو كاهنهم أو أكثرهم مالا, قيما على أمورها, ويتولى شئونها, ويحفظ حقوقهم, ويرعى مصالحهم, يلجأون إليه فيما بينهم, ويتحدث بإسمهم مع من سواهم, ثم تطور الأمر بعد ذلك؛ فبرزت الأسر الملكية والتي امتهنت الحكم؛ في المدن والدول الملكية, وهكذا مع ظهور الأفكار الفلسفية السياسية في أوروبا والتي انبثقت عنها النظم السياسية المعاصرة؛ والتي أفسحت الطريق أمام الشعب في اختيار من يقوم على أمرهم.

ووجود السلطة الحاكمة على رأس شعب هو عنصر هام من عناصر الدولة المتمتعة بالشخصية القانونية الدولية, وشعب بدون سلطة حاكمة هو شعب هوجائي غير منظم, ولا يمكن أن يطلق عليه دولة, حتى ولو كان قاطنا لإقليم بصفة دائمة. وقد كان - فيما مضى- يتم اعتبار السلطة الحاكمة هى المتحدثة بإسم الشعب حتى ولو لم تكن معبرة عنه, بل حتى ولو كانت تحكمهم رغما عن إرادتهم, أما في القانون الدولي المعاصر فقد أصبح هناك قاعدة دولية آمرة تقضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها, بما في ذلك اختيار السلطة التي تراها معبرة عن إرادتها وتطلعاتها.

 

2- المنظمات الدولية:

إن فكرة المنظمات الدولية ذاتها فكرة قديمة,غير أنها - بمفهومها المعاصر- لم تظهر إلا بعد الحروب التي طالت القارة الأوروبية إبان حرب الثلاثين عاما التي انتهت بعقد مؤتمر وستفاليا للصلح؛ حيث نادى بعض المفكرين بإنشاء هيئة عليا تفض المنازعات بين الممالك والإقطاعيات الأوروبية, وتنسق التعاون وتشجعه بينهم. وإبان الحروب النابليونية اجتمعت الدول الأوروبية - التي استشعرت بتهديد عروشها- في محاولة للقضاء عليه, وقد تكررت هذه الإجتماعات والمؤتمرات كلما هم أمر يهمها؛ للتشاور ولتنسيق المواقف فيما بينها, وجاءت بعدها مؤتمرات أخرى لعل أبرزها مؤتمر لاهاي عام 1907 والذ تم فيه وضع قواعد لحل المنازعات بالطرق السلمية وإنشاء محكمة دائمة للتحكيم, ثم دعت الحاجة لدوافع اقتصادية بحتة إلى إنشاء لجان دولية مهمتها التنسيق بين الدول وزيادة التعاون بينهم [2].

وعلى صعيد آخر؛ ومع التطور العلمي والصناعي إبان الثورة الصناعية منتصف القرن ال 19, دعت الضرورة إلى إنشاء هيئات تنظم الإنتفاع ببعض المرافق الدولية, مثل: البريد, والنقل, والمواصلات البرقية والسلكية واللاسلكية [3], وشجع نجاح هذه الإتحادات وفعاليتها إلى إنشاء الزيد منها لتغطية كافة قطاعات المصالح المشتركة, منها المجالات المالية, والسكك الحديد, والتعريفات الجمركية, وحماية الملكية الصناعية والأدبية والفنية, والصحة, والطيران المدني, والعمل,.. وغيرها. 

ثم كان ما جنته كثير من دول العالم من الحرب العالمية الأولى من ويلات ومآسي وما خلفته من قتلى وجرحى ودمار؛ أن اتجه التفكير إلى إنشاء منظمة دولية مهمتها الأولى هو الحرص على عدم تكرار ذلك ( حفظ السلم والأمن الدوليين), وفي سبيل ذلك أعدت الدول المنتصرة مشروعا لإنشاء منظمة دولية اطلق عليها هيئة " عصبة الأمم" والتي حلت محلها هيئة " الأمم المتحدة" عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية, كما أنشئت بعد ذلك المنظمات الإقليمية والوكالات المتخصصة.

ولقد تعاظم دور هذه المنظمات الدولية لاسيما في مجال تسوية المنازعات بين الدول, وأصبحت تغطي شتى العلاقات بين الدول في جميع المجالات, وأصبح لها دور فعال في التأثير على مجريات الأحداث الدولية والداخلية في الكثير من الأحيان؛ فتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية أمرا متفق عليه من أكثر الفقه الدولي, ورغم ذلك إلا أنها لم تصل بعد لطور إلغاء دور الدولة الريادي في رسم السياسة الدولية.

ويمكن تعريف المنظمة االدولية بأنها: " هيئة دائمة تنشئ بموجب اتفاق مجموعة من الدول؛ بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة يحددها الميثاق المنشئ للمنظمة, وتتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية مستقلة عن دولها الأعضاء [4]. ومن هذا التعريف يلزم لتوافر عناصر لوجود منظمة دولية, وهى:

أ- الديمومة والإستمرارية: أي وجود هيئة دائمة لها مقر دائم, تمارس فيها مؤسساتها وأجهزتها أنشطتها, وتعقد فيها مؤتمراتها. وهذا الشرط هو ما يميز المنظمة الدولية عن المؤتمرات الدولية التي لا تلبث أن تنفض فور الإنتهاء من الغرض من انعقادها.

ب- اتفاق دولي: فالإتفاق الدولي هو المنشئ للمنظمة, ومحدد فيها أهدافها ومبادئها وأجهزتها وسلطاتها واختصاصاتها, ونظام انعقاد مؤتمراتها ومقراتها وغيرذلك.

ج- عضوية الدول: فالدولة هو العنصر الفعال في المنظمة الدولية, وهى - وحدها- التي تتمتع بالعضوية الكاملة؛ فهى التي تقترح وتصوت وتوافق وترفض, وترسم سياسة المنظمة الخارجية والداخلية, وتعدل الإتفاق المنشئ للمنظمة - بشروط محددة-.

د- الشخصية القانونية المستقلة: إن الدول الأعضاء حددوا للمنظمة في الإتفاق المنشئ أجهزتها وبينوا اختصاصاتها ومنحوها السلطات التي تمكنها من مباشرة هذه الإختصاصات, فأصبح لها - كمنظمة- إرادة هى مستقلة عن مجموع إرادات الدول المنشئة لها, فالقرار الصادر عنها, وإن صدر بإجماع الدول الأعضاء, إلا أنه - رغم ذلك- لا يكون صادرا عنهم وإنما عن المنظمة وبإسمها, وتنصرف أثاره إليها وحدها [5].

ولعل من أهم المنظمات الدولية والإقليمية على الساحة الدولية هى هيئة " الأمم المتحدة" ووكالاتها المتخصصة, أما على الصعيد الإقليمي فأشهرها: منظمة الإتحاد الأوروبي والتي تعتبر أقوى المنظمات من الناحية الهيكلية الإدارية ( الإختصاصات والسلطات).

 

3- الأمم والشعوب الساعية للتحرر:

تجدر الإشارة - بداية- أن الإعتراف بحق تقرير مصير جميع الشعوب والأمم لا يعني اعتبار كل أمة أو شعب تسعى إلى تحقيق حق تقرير المصير أشخاصا دولية, فالأساس القانوني لأهليتهم القانونية الدولية هو السيادة القومية على الإقليم الذي يعيشون فيه؛ فإن حق تقرير المصير وضع لتلك الأمم والشعوب التي ليس لها كيان مستقل يمثلها أمام الدول والأمم الأخرى, ومازالت لم تحقق بعد حقها في تقرير المصير عن طريق تشكيل دولة مستقلة.

ويمكن تعريف حركات التحرير أو حركات المقاومة بأنها: تنظيمات وطنية منبثقة عن شعب واقع تحت سيطرة أجنبية أو حكومة عنصرية يخوض كفاح مسلح ضدها سعيا لتطبيق حقه في تقرير المصير. وهكذا يتضح أن حركات المقاومة المسلحة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية [6], وتخضع - بالتالي- لأحكامه, ومنها قواعد فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية والإلتزام بأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب واتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة عام 1949.

ولا ننسى ضرورة التمييز بين حركات التحرير أو المقاومة, وبين تنظيمات وتجمعات مشابهة كالحركات الإنفصالية والأحزاب المعارضة والجماعات الإرهابية والمرتزقة,.. إلخ, فلا تُعد كذلك.

 

4- أشخاص القانون الدولي الأخرى:

ومن هذه الأشخاص: الشركات المتعددة الجنسيات, والمنظمات الدولية غير الحكومية, والإتحادات الدولية, والأفراد العاديين. فهذه الأشخاص وإن كان لها دور مؤثر في إطار العلاقات الدولية سواء في المجال السياسي أو الإقتصادي وغيرها؛ إلا أنها لا تعدو أن تكون مجرد أداة في يد الأشخاص الدولية كوسيلة للضغط على بعضها البعض.



[1] الطوطم Doodem  هو أي شئ يكون بمثابة رمز مقدس لدى الجماعة أو القبيلة, والمعبر عن كيانها؛ وهو الشئ الذي يوحد أفراد القبيلة أو الجماعة ويميزها في مواجهة أفراد القبائل أو الجماعات الأخرى.

[2] مثل اللجان النهرية التي أنشئت بمقتضى ما نصت عليه معاهدة فيينا - التي نظمت أمورا مشتركة- منها تنظيم الملاحة في الأنهار الدولية, مثل: لجنة نهر الراين, لجنة نهر الدانوب والتي ضمت مندوب عن كل دولة عضو.

[3] مثل: اتحاد البرق العالمي والذي أنشى بمقتضى اتفاقية باريس عام 1865, والإتحاد العام للبريد وأنشى بمقتضى اتفاقية برن عام 1874.

[4] د/ أشرف عرفات أبو حجازة: الوسيط في التنظيم الدولي, الطبعة الأولى, 2002, ص 113.

[5] وفي هذا الصدد تقول محكمة العدل الدولية في رأيها الإستشاري في قضية التعويض عن الأضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة عام 1949: " إن الميثاق قد أسند إلى المنظمة حقوقا وواجبات تختلف عن حقوق الدول الأعضاء فيها وواجباتها. علاوة على ذلك تشدد المحكمة على أهمية الأعمال السياسية المعهودة إلى المنظمة: حفظ السلم والأمن الدوليين. وبناءا على ذلك تخلص المحكمة إلى أن المنظمة, مع ما لديها من حقوق وإلتزامات, لها في الوقت نفسه, إلى درجة كبيرة, شخصية دولية وأهلية للعمل على الصعيد الدولي مع أنها بالتأكيد ليست دولة أعظم". انظر: موجز الأحكام والفتاوي الصادرة عن المحكمة 1948 - 1991, منشورات الأمم المتحدة, نيويورك, 1992, ص 9.

[6] فيكون لها تلقي المساعدات الإنسانية والعسكرية, وإبرام المعاهدات والإتفاقات الدولية, واكتساب العضوية بالمنظمات الدولية وحضور اجتماعاتها, وتبادل التمثيل الدبلوماسي,.. إلى غير ذلك مما يترتب على الإعتراف بالشخصية القانونية الدولية.