تعريف المنازعات الدولية وفقا لأحكام القانون الدولي
خريطة المنازعات المسلحة في العالم عام 2018 متدرجة الشدة حسب شدة اللون من الأفتح للأغمق (مصدر الصورة).
الكلمات المفتاحية: القانون الدولي العام, المنازعات الدولية, النظام الدولي, الصراعات الدولية, التوترات الدولية, الأزمات الدولية, الحرب الأهلية, الحرب, السلم والأمن الدوليين, أزمة الصواريخ الكوبية.
1- تعريف المنازعات الدولية:
ظاهرة المنازعات الدولية تعتبر من أبرز وأهم القضايا التي تشغل بال هذا العالم؛ لطالما كانت المنازعات بين الشعوب والأمم والدول تقف حجر عثرة أمام مشاريع التنمية والتقدم؛ لذلك لم يكن غريبا أن تكون المناقشة والحوار حول هذه المنازعات وفضها وتسويتها بالطرق السلمية من أولى القضايا والمسائل التي تدرج في جداول الأعمال بين قادة دول العالم في المحادثات الثنائية والجماعية والإجتماعات الدورية والإستثنائية للمنظمات الدولية. فقد أصبحت العلاقات والمصالح بين الدول متشابكة إلى درجة أن مجرد حدوث توتر أو حرب بين دولتين قد تمتد آثارها إلى كل الدول المرتبطة مع الأطراف المتنازعة بمصالح؛ فأصبح مصير كل الدول مرتبطة ببعضها البعض في ظل نظام العولمة, فكان من تأثيرات أي نزاع امتداد آثاره إلى جميع الدول تقريبا وليس أطراف النزاع فقط, وأصبح الأمر يعين الجميع!. وفي هذا المقال سنحاول وضع تعريف دقيق وشامل لمفهوم المنازعات الدولية؛ لنخرج منها المصطلحات والمفاهيم التي تكاد ترادفها في الإستخدام الشائع في الأوساط الدولية.
أ- التعريف اللغوي:
كلمة " نزاع" جاءت من نزع أي شد وجذب, يقال " نزع الشئ من مكانه" أي جذبه وقلعه, ويقال " تنازع القوم" أي اختلفوا, و " تنازعوا في الشئ" أي تجاذبوه [1]. فالنزاع ( لغويا) هو تخاصم فريقين أو أكثر واختلافهم أو تنازعهم على شئ يتجاذبوه فيما بينهم؛ ليستأثر كل منهما به وحده.
ب- المفهوم الإصطلاحي:
هناك ظواهر دولية شائعة تتشابه وتتداخل مع ظاهرة المنازعات الدولية؛ مثل: الصراعات والأزمات والتوترات والحروب.. وغيرها. وهذا التداخل بين هذه الظواهر مع ظاهرة المنازعات الدولية مرده تشابه الديناميكيات والتفاعلات المعبرة عنها بين أطراف النزاع, ولكي نصل إلى مفهوم دقيق وواف لظاهرة المنازعات الدولية, كان علينا أن نضع إطار نظري لوضع تعريف اصطلاحي افتراضي لظاهرة المنازعات, وأن يكون له حدود ونطاق يخرج منها ما ليس من قبيل المنازاعت الدولية, ثم مطابقتها عمليا للتأكد من كفاية التعريف الموضوع للمصطلح ومقارنته مع الظواهر التي تتشابه معه لإبراز الحد الفاصل الذي يميزها عنها. وسعينا للبحث عن هذا الحد ليس حشوا أو هامشيا, بل تكمن أهمية هذه التفرقة في:
- أن النزاع يقع على الدول - بمقتضى أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق المنظمات الدولية الإقليمية- إلتزام بفضه وتسويته؛
- أن النزاع الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين يخول للأمم المتحدة, خصوصا مجلس الأمن, لأن تتخذ مجموعة من التدابير ( العسكرية والغير عسكرية) بمقتضى أحكام الفصل السابع؛
ويمكن تعريف النزاع الدولي بأنه: " خلاف أو عدم اتفاق بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي حول مسألة ما قانونية أو واقعية". ومن هذا التعريف المبسط يمكن تفصيله في عناصر تميزه عن مرادفات تكاد تبادله في الدلالة, وهى:
أ- وجود خلاف أو عدم اتفاق: أي وجود تعارض أو تضارب أو تناقض في المواقف والآراء؛
ب- دولية النزاع: أي أن يكون أطرافه من أشخاص القانون الدولي العام, وهى تلك التي تتمتع بالشخصية القانونية الدولية - مثل الدول و المنظمات الدولية والشعوب الساعية للتحرر- لتخرج منها - بشروط معينة- تلك التي تقع داخل هذه الكيانات؛
ج- أن يكون موضوع النزاع مسألة قانونية أو واقعية: وبغض النظر عما إذا كانت سياسية, أو اقتصادية, أو عسكرية,.. أو غيرها؛
د- أن يكون النزاع قائم: فإذا انقضى فإنه لا يكون هناك نزاع, وذلك أيا كان السبب, ولا يحول ذلك دون المساءلة الدولية عن فعل غير مشروع دوليا؛
ه- أن يكون النزاع مما يمكن تسويته: فهناك بعض المنازعات الدولية - لخواصها وتعقدها- لا يمكن اعتبارها نزاعا حتى يمكن تسويتها وفقا لقواعد القانون الدولي العام.
2- عناصر المنازعات الدولية:
أ- خلاف أو عدم إتفاق:
إن النزاع يفترض أن هناك احتكاك بين فعل ورد فعل مضاد له, فإذا لم يكن هناك رد فعل, كأن يتم قبول الفعل والتسليم به, فإنه لا يكون هناك منازعة. فأصل النزاع يتمثل في ذلك التعارض والتضارب, سواء في الشكل أو المضمون, بين فعل ورد فعل صادرين عن شخصين دوليين, والخلاف - في حد ذاته- ليست قرينة للدلالة على وجود نزاع, ومع ذلك يعتبر مظهرا من مظاهره وتأكيدا على وجوده واستمراره. مثال ذلك: قيام الدولة أ بإدعاء ملكيتها لإقليم تابع للدولة ب ( فعل), لم تنفي الدولة ب هذا الإدعاء أو سكتت عنه ( ليس هناك رد فعل), إذن ليس هناك نزاع. أما إذا كذبت أو نفت الدولة ب ادعاء الدولة أ ( رد فعل), إذن نحن أمام نزاع قائم على أساس وجود خلاف أو عدم اتفاق وجهة نظر ومواقف كلا من الدولتين حيال هذا الإقليم.
وهذا الخلاف أو عدم الإتفاق قد يكون حول موضوع سياسي أو قانوني أو اقتصادي.. وغيرها مما يرتبط بالمصالح المادية أو المعنوية. فالنزاع الدولي يفترض وجود خلاف أو تعارض أو تناقض أو تضارب أو عدم توافق في المواقف أو الإدعاءات أو التصورات أو الإعتقادات أو الأهداف أو المصالح, وأنه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف في وقت واحد إلا لطرف واحد لعدم كفايتها لكافة الطراف, فيسعى كل طرف إلى تحقيق أهدافه ومنع وإعاقة الآخريين من تحقيق هذه الأهداف, أيا كانت طبيعة موضوع النزاع, سواء أكان ذا طبيعة سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو عسكرية.. إلخ.
ويجب أن يبرز هذا النزاع من خلال السلطات السياسية للأطراف في شكل ادعاءات رسمية أو استخدام القوات المسلحة بناءا على أوامرها, أما إذا كان النزاع بين أفراد أو جماعات أو طوائف أو فئات منتمية لهذه الأطراف, ما لم يتم تبنيها والتعبير عنه من خلال هذه السلطات السياسية بإستخدام أداة الحماية الدبلوماسية, فإنها لا تُعد نزاعا دوليا وإن كان من الممكن أن تؤؤل إلى اعتبارها كذلك. وكذلك فإن وجود مظاهرات أو احتجاجات الرأي العام ضد سياسات الدول الأخرى لا يعني وجود نزاع دولي, وإن كان من المحتمل أن قوة ( ضغوطية) هذه المظاهرات أو الإحتجاجات قد تدفع السلطات السياسية إلى تبني وجهة نظر الرأي العام مسببا حدوث نزاع دولي.
كما أن النزاع لابد أن يكون واضحا ومحددا, وبالتالي فإن مجرد إدعاء أحد الأطراف أو تأكيده على أن هناك نزاع لا يكفي - في حد ذاته- على إثبات وجوده, فمجرد الإدعاء ليس دليلا على وجود النزاع [2]. ومع ذلك يمكن اعتبار النزاع مؤكدا في الحالات الأتية:
- اتفاق أطراف الموقف أو الوضع على أنه نزاع؛
- إدعاء دولة بأن دولة أو دول أخرى خرقت التزاماتها الدولية أو قامت بعمل يهدد السلم والأمن الدوليين, وإنكار الدولة أو الدول الأخيرة ( المدعي عليها) هذا الإدعاء؛
- إدعاء دولة بأن دولة أخرى أخلت بحقوق دولة ثالثة وأقرت هذه الأخيرة بذلك.
ب- دولية النزاع:
لابد أن يكون النزاع دوليا حتى تنطبق عليه قواعد ومبادئ القانون الدولي العام, ولا يكون الأمر كذلك إلا إذا كان جميع أطرافه من أشخاص القانون الدولي العام, وبالتالي يخرج منها المنازعات الداخلية التي لا ينطبق علي أطرافها هذا الوصف, والتي يمكن نوجزها في الآتي [3]:
- النزاع مع السلطة الحاكمة:
ومنها المظاهرات والإحتجاجات وأعمال الشغب والثورات والإنقلابات العسكرية ضد السلطة الحاكمة, فدوافع هذه المنازعات غالبا ما تكون سياسية واقتصادية واجتماعية, كامتعاضها من سياسة معينة أو للمناداة بتحقيق مطالب محددة. وهذه المنازعات لازالت تعتبر شأن داخلي؛ وبالتالي لا يحق للدول الأخرى التدخل التزاما بمبدأ " عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى".
غير أن واقع الأمور لا تجري هكذا؛ فمن ناحية أنه أحيانا - بل كثيرا- ما تستغل الدول الأخرى تلك المنازعات بالدعم والتحريض ومحاولة " تدويل" النزاع لمآرب عدة, منها: تقارب القائمين على هذه المظاهرات والثورات والإنقلابات العسكرية مع هذه الدول ( في العقيدة أو العدو المشترك أو الإيديولوجية), أو بغية تشجيع إثارة الفوضى ( أملا في تدميرها داخليا, أو محاولة سلب دورها الإقليمي والحلول محلها في التأثير والنفوذ الإقليمي), أو اقتصاديا ( مثل تحول السائحين إليها وبالتالي زيادة رصيدها من العملة الصعبة, أو جذب الإستثمارات الأجنبية التي تشترط الأمن والإستقرار الداخلي). ومن ناحية أخرى؛ هناك بعض الدول التي تحاول التأكيد على عدم التدخل في الشئون الداخلية؛ وذلك لإرتباطها مع السلطة الحاكمة بمصالح اقتصادية أو سياسية.
لكن مع تطور القانون الدولي وزيادة الإهتمام بالإنسان بإعتباره - في النهاية- محور جميع الإهتمامات والإتفاقات, بدأ تقنين القواعد التي تحرص على حمايته أثناء الحروب, ثم تطور الأمر مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وفي عام 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الخاص بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, والتي دخلت حيز النفاذ عام 1976؛ وهكذا أصبح لكل الأفراد - في جميع الدول- مجموعة من الحقوق الأساسية والمدنية والسياسية ( كالحق في حرية التعبير, والحق في التجمع السلمي,.. إلخ), والذي يتعين على الدول أن تكفل احترامها.
مما سبق يتبين أن الدول لم يعد لها مطلق الحرية في معالجة مشاكلها الداخلية, بل يتعين عليها الإلتزام بالحد الأدنى من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلانات والإتفاقيات الدولية خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان, كما أن للمنظمات الدولية غير الحكومية, والتي تعمل في مجال الإغاثة الدولية ( كمنظمة الصليب الأحمر الدولي) أن تقوم بعملها الإغاثي والإنساني [4], ومراقبة تطبيق الأطراف لأحكام القانون الدولي الإنساني.
- الحروب الأهلية:
الحرب الأهلية هى: " حالة صراع مسلح يقع بين فريقين أو أكثر في أراضي دولة واحدة نتيجة لنزاعات حادة وتعذر إيجاد أرضية مشتركة لحلها بالتدريج أو بالوسائل السلمية, ويكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة" [5].
وأسباب ودوافع الحرب الأهلية متعددة؛ فقد تكون سياسية ( السيطرة على السلطة), أو اقتصادية ( الإستئثار بالموارد والثروات), أو طبقية ( الطبقات الفقيرة ضد الطبقة الغنية), أو دينية ( خلافات عقائدية أو طائفية), أو عرقية ( الجنس أو اللون), أو إقليمية ( المطالبة بالإستقلال أو الإنفصال وتأسيس دولة أو التمتع بالحكم الذاتي), أو مزيج من بعض هذه العوامل.
ورغم أن الحروب الأهلية مسألة داخلية, إلا أنه غالبا - للدوافع التي سبق بيانها- أن الدول عادة ما تتدخل في هذه النزاعات. وعلى كل حال يمكن اعتبار مثل هذه النزاعات نزاعات دولية في حالة:
- عرض النزاع على الأمم المتحدة ( مجلس الأمن) بإعتباره يهدد السلم والأمن الدوليين, واعتبرته كذلك؛
- إذا كان من شأنها أن تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر, كأن يحتمل أن تتدخل دولة بجانب إحدى الأطراف ضد الأطراف الأخرى.
- النزاع بين الدول الداخلة في اتحاد:
1- دول الإتحاد الشخصي: الإتحاد الشخصي هو اجتماع دولتين أو أكثر بيد ملك أو رئيس واحد مع احتفاظ كل منها بكامل شخصيتها الدولية وسيادتها في المجالين الداخلي والخارجي. ويعتبر هذا النوع من الإتحادات شكلي أو رمزي, وتظل كل دولة داخلة فيه متمتعة - تماما- بكامل شخصيتها الدولية, وبالتالي تعتبر النزاعات بينهما نزاعات دولية. وعلى كل حال لم يعد مثل هذا النوع من الإتحادات قائما.
2- دول الإتحاد الحقيقي: الإتحاد الحقيقي هو اتحاد يجمع بين دولتين أو أكثر في دولة واحدة تتولى أمورها الخارجية مع احتفاظ كل دولة - تماما- بإدارة أمورها في المجال الداخلي. ومن ثم تعتبر النزاعات التي تقع بين هذه الدول هى نزاعات داخلية, وتخضع في فضها وتسويتها للمعاهدة أو الإتفاقية المنشئة لهذا الإتحاد.
3- دول الإتحاد الكونفيدرالي: الإتحاد الكونفيدرالي هو تنازل الدول الداخلة فيه عن جزء من اختصاصاتها أو سلطاتها الخارجية لصالح هيئة تتولاها. وفي هذا النوع من الإتحادات تظل الدول الأعضاء متمتعة بكامل شخصيتها الدولية فيما عدا تلك الإختصاصات التي نقلتها إلى الهيئة الإتحادية, وبالتالي تعتبر المنازعات بين تلك الدول منازعات دولية بإستثناء ما درج بمعاهدة الإتحاد؛ فإنها تفض بمقتضاها.
4- دويلات أو ويلات الإتحاد الفيدرلي: الإتحاد الفيدرالي هو اندماج دويلات أو ويلات في دولة واحدة مركزية تفرغ فيها الشخصية الدولية لهذه الدويلات أو الولايات, مع احتفاظ هذه الدويلات أو الولايات بجانب كبير في إدارة شئونها الداخلية. والنزاعات التي تنشأ بين هذه الدويلات أو الولايات هى منازاعات داخلية تحكمها المعاهدة المنشئة للإتحاد ( الدستور الفيدرالي), وبالتالي تخرج من طائفة المنازعات الدولية.
ج- موضوع النزاع:
إن النزاع لا يحدث اعتباطا؛ بل لابد أن يكون هناك موضوع ( أو شئ) متنازع عليه بين أطرافه حتى يكون هناك نزاع دولي يمكن فضه وتسويته, وموضوع النزاع قد يكون في مسألة قانونية أو واقعية أو متعلقا بحق أو مصلحة. فالمسائل القانونية تتعلق بالأسانيد والأدلة التي تتعلق بالحقوق, من ذلك - مثلا- تفسير معاهدة دولية. بينما المسائل الواقعية هى تلك التي تتعلق بشئ من الواقع, وهى أقرب إلى المصالح منها من الحقوق, مثل: نزاع حول خط سير الحدود بين طرفين أو أكثر.
د- أن يكون النزاع قائما:
وهذا أمر منطقي؛ فطالما ليس هناك نزاع قائم أو أنه إنقضى, إذن ليس هناك نزاع؛ فإستمرار الإدعاءات أو المطالبات - مثلا- بين الأطراف المتنازعة يعني أن هناك نزاع قائما بينهما, فإذا توقفت هذه الإدعاءات أو المطالبات لم يعد النزاع قائما, مثال: اجتياح قوات الدولة أ إقليم تابع للدولة ب, احتجت الدولة ب على هذا, وطالبت الدولة أ بسحب قواتها. فإذا توقفت هذه الإدعاءات ( اجتياح إقليم الدولة ب) أو المطالبات ( بسحب القوات من إقليم ب) لم يعد هناك نزاع, حتى ولو لم تنسحب قوات الدولة أ من إقليم الدولة ب.
كما أن بإنقضاء النزاع لا يمكن إعادة إثارته من جديد, من ذلك: توقيع اتفاق بين الأطراف على تسوية ارتضاها جميع الأطراف أو تنفيذ حكم قضائي أو محكمة تحكيم صادر في حق أطراف النزاع الدولي.
كما أن بإنتهاء النزاع أو أسبابه لم يعد النزاع قائما؛ وأن أية تسوية له لن يكون له أثر مستقبلي. وعليه؛ فإن النزاع حول مسائل من الماضي لا يعد أمرا مبررا [6], وإن كان هذا الأمر لا يؤخذ على إطلاقه, مثل: احتلال دولة أ للدولة ب ثم انسحبت وأجلت قواتها عنها, فليس من المعقول أن تأتي الدولة ب بعد مرور - مثلا- 50 عاما لتطالب الدولة الأولى بتعويض عن سنوات احتلالها لها.
ه- أن يكون النزاع مما يمكن تسويته:
فيجب أن تكون مطالبات الأطراف حقيقية مما يمكن تنفيذه على أرض الواقع, وليس وهمية. وأن تكون هذه التسوية قابلة للتطبيق.
وأخيرا؛ يترتب على وجود نزاع دولي على نحو ما سبق, أن الأطراف ملزمة بتسويته سلميا, بل وتحريم اللجوء إلى القوة في سبيل فضه وتسويته, وما إذا كان للمنظمات الدولية أن تنظر فيه وأن تصدر توصية أو قرار بشأنه أم لا, وما إذا كان يسوغ للطرف الذي يدعي وجوده عرضه على محكمة تحكيم أو قضاء أم لا.
3- النزاع الدولي والمصطلحات الأخرى:
أ- الصراعات الدولي:
الصراع الدولي هو: " تنازع الإرادات الوطنية, وهو التنازع الناتج عن الإختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وإمكاناتها العليا والقومية؛ مما يؤدي في التحليل الأخير إلى اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق, ولكن برغم ذلك يظل الصراع بكل توتراته وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة" [7]. ومن ثم فإن الصراع - في مضمونه- هو: " وضع تكون فيه مجموعة معينة من الأفراد - سواء قبيلة أو مجموعة عرقية أو لغوية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو أي شئ آخر- تنخرط في تعارض واع مع مجموعة أو مجموعات أخرى معينة؛ لأن كل من هذه المجموعات يسعى لتحقيق أهداف متناقضة فعلا أو تبدو أنها كذلك" [8].
والصراع هو نتيجة حتمية لدفع الناس ببعضهم البعض, ولولاه لفسدت الأرض, فيقول الله تعالى: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض, ولكن الله ذو فضل على العالمين". ومن ثم فإن الدفع هو قانون طبيعي يحكم العلاقات بين الناس والأمم بعضها البعض.
والسبب الرئيسي للصراع هو تفتت الجماعة الإنسانية إلى جماعات ( دول وأمم وشعوب) مختلفة ( الألوان والأشكال والرؤى والديانات والثقافات.. إلخ), وهو ما أدى إلى تبني كلا منها رؤية خاصة بها تراها كفيلة وجدراتها بتحقيق مصالحها وأهدافها, وتكفل تحقيق الأمن والرفاهية لأفرادها, وهى الرؤية التي تختلف - بل وتتصادم- مع تلك الرؤية التي تتبناها غيرها من الجماعات المتنافسة الأخرى, مؤديا إلى التعارض والتصادم في أهدافهما ومصالحهما لسعي كل منهما إلى عين هذه الأهداف والمصالح. فعندما تعتنق دولة ما أهدافا ( قومية) خاصة بها وتسعى إلى تحقيقها, لا بد وأن تمس تحقيق هذه الأهداف مصالح ( وربما حقوق) الدول الأخرى وتتحداها, فيكون لا مفر - حينئذ- من التصادم؛ حتى ولو كان تحقيق هذه الأهداف قاصرة على السياسة الداخلية؛ لأنه سيتعارض - حينئذ- ويتصادم مع أهداف الدول الأخرى ومطامعها فيها. ويكون الصراع ما دام هذا التباين البين بين الأهداف موجودا. ولن تحقق أهداف طرف دون إزاحة الطرف الأخر أو إحادته عن أهدافه ( القومية) المتعارضة مع الأهداف ( القومية) للأول ومنعه من تحقيقها. فهى تتصف بالديمومة والإستمرارية ما دام التناقض بين الأهداف والمصالح قائما.
وإذا نظرنا إلى العلاقات الدولية لوجدنا أن تحديد " كم" الأهداف والمصالح العليا للدول ( الأطماع) يتحدد على أساس " مجموع" ما لديها من قوة الدولة وقدراتها الحقيقية في كافة المجالات, فكلما زادت قوة الدولة زادت مصالحها وأهدافها, وزاد احتمال صدامها مع الأهداف والمصالح العليا للدول الأخرى التي لديها نفس القدر من القوة؛ بمعنى أن الصراع منشئه القوة بقدر من أن يكون اختلاف في الأهداف والمصالح, فالدول ما كانت لتنخرط في الصراع سعيا وراء المصالح التي يمكن جنيها لولا أن لديها القوة التي تمكنها ذلك.
ومن أمثلة الصراعات التي شهدها المجتمع الدولي المعاصر: الصراع بين المعسكر الشرقي الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفيتي ( سابقا) والمعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة. وهو صراع أساسه إيديولوجي؛ فكل دولة تسعى إلى نشر أيديولوجيتها على حساب أيديولوجية الأخرى, وهو - أيضا- صراع بين المصالح الإستراتيجية؛ فكل طرف يسعى إلى بسط نفوذه وتأثيره وأن يكون الأكثر حضورا سياسيا ودوليا في كافة المجالات, وأن تكون - وحدها, دون الأخرى- هى المهيمنة على العالم وشعوبها.
وإذا نظرنا إلى الصراعات التي شهدتها العلاقات بين الدول سنجد أن البداية كانت مجرد اختلاف ( في العقيدة, أو المصالح,.. وغيرها) تطور إلى نزاع, ثم أنه لعدم حله وتسويته وصعوبة التوفيق بين الأطراف, ولعدم مغالبة طرف على الطرف الآخر, تحور الأمر وانتقل إلى مستوى الصراع. فالعلاقة بين الصراع والنزاع هى علاقة أطوار, فاستمرار النزاع دون حل صعده إلى صراع, ومن ثم فإن حل الصراع منوط بحل النزاع الذي تسبب فيه. غير أن السبب الذي يتحول فيه النزاع إلى صراع ليس التعارض في المصالح فقط, بل لوجود نوع من توازن القوى بين الطرفين تحول دون مغالبة أحدهما الآخر.
كما أن أطراف الصراع أكثر اتساعا منه في النزاع؛ فالصراع لا يكون بين دولتين ( مثل: الإتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة), وإنما يكون بين الكتل المتجانسة على أساس من العقيدة أو الإيديولوجية أو المصالح المشتركة أو غيرها ( مثل: الصراع بين دول المعسكر الشرقي " الإشتراكي" ودول المعسكر الغربي " الرأسمالي"). فهو يفترض التعارض في المصالح بين مجموعة من الدول. ولعل هذا ما يفسر تعقد الظاهرة ( ظاهرة الصراع الدولي) وتعدد أسبابها وتداخل أبعادها وتشابكها؛ فمفهموم الصراع مفهوما أكثر شمولا؛ يمكن أن يرد على أي مجال وعلى كافة المستويات والأصعدة, وذلك بخلاف النزاع الدولي الذي يرتبط بفكرة الحق والعدالة منه من فكرة المصالح.
مما سبق يتضح أن مفهوم الصراع يقترب من مفهوم النزاع؛ في أن كلاهما ينطويان على التعارض والتناقض في الإدعاءات والمصالح, إلا أن تأثيره قد لا يصل إلى تأثير النزاع التدميري. في حين أن النزاع أكثر تأثيرا وتدميرا من الصراع؛ لأنها تنطوي على إمكانية استخدام كافة الإمكانيات الممكنة في إدارة النزاع بما فيها القوة المسلحة, بخلاف الصراع والذي وإن كان ينطوي على على سعي كل طرف إلى تدمير الطرف الآخر, إلا أنه - لتقارب القوة بين الأطراف- لا يستخدم فيه القوة المسلحة في التعبير عنه أو إدارته.
ب- التوترات الدولية:
إن التوتر الدولي يحدث عندما توجد مجموعة من المواقف والإتجاهات الناتجة عن وجود شكوك وفقدان الثقة من نوايا أو اتجاهات الطرف الآخر, مما يثير استياءه ومخاوفه. وهذه الشكوك وفقدان الثقة لدى طرف - أو الأطراف- غالبا ما تكون نتيجة وجود سوابق من حالة العداء أو تناقض وتنازع المصالح.
والتوتر - في حد ذاته- ليس بنزاع, ولكنه المرحلة الدنيا ( الأولى) من مراحله, قد تخبو وقد تستمر؛ فإستمرار التوتر من شأنه إبراز التعارض والتناقض في المواقف والإتجاهات مترجما إياها إلى نزاع بين أصحاب هذه المواقف والإتجاهات. فوجود قوات على الحدود المشتركة أو إجراء مناورات ليس في حد ذاته مثيرا للريبة أو القلق, في حين أنه قد يكون كذلك حال وجود سوابق ( تاريخية أو منطقية) من شأنها أن تشجع هذه الشكوك أو المخاوف, مما قد يدفع - ربما- الطرف الآخر إلى إستباق استخدام القوة ( الحرب الإستباقية), فالتوتر سابق على النزاع المسلح. وقد تصور مناوشات عسكرية بسيطة على الحدود على أنها اعتداء أو حرب, أو قد تفسر المناورات العسكرية على أنها - مثلا- نوع من الخداع للتغطية على شن هجوم على حدود الدولة استعدادا لغزوها. كما أن عقد الدولة أ - مثلا- اتفاقية لتوريد أسلحة هامة أو انضمامها إلى حلف يتبني رؤية متعارضة, قد يكون مسببا للتوتر بينها وبين الدولة ب, ومعززا له خصوصا في حالة وجود سوابق من العداء.
وبذلك يتضح أن التوتر - في حد ذاته- ليس نزاع, أو يمكن القول بأنه نزاع غير واضح ماهيته وأسبابه, فضلا عن صعوبة التكهن بسيره وتداعياته؛ فقد يقف الأمر عند حد التصريحات ( المحتجة والمشجبة) المتبادلة بين الأطراف, وقد يصل الأمر إلى مرحلة الأزمة, مثل: قطع العلاقات الدبلوماسية [9], بل إن الأمر قد وصل - بالفعل- إلى مرحلة الحرب.
ومن الأسباب المؤدية إلى حدوث توترات وتصعيدها: سباق التسلح, الدخول في سياسات المحاور والأحلاف, القيام بمناورات عسكرية واسعة أو ضخمة, أو زيارة شخصية رسمية لإقليم متنازع عليها [10]. كما أن الموقف المتوتر قد يكون سببه تنامي القوة العسكرية للأطراف الغير مسيطرة عليه, والذي قد يؤدي أي تأزم للموقف إلى نشوب حرب بينهما.
ج- الأزمات الدولية:
يمكن تعريف الأزمة الدولية بأنها: "
الصورة الأشد كثافة للصراعات التي تجري داخل النظام الدولي", وتؤدي -
بطبيعتها- إلى تنشيط احتمال اللجوء إلى الحرب؛ بحيث يعدو ذلك عاملا مركزيا في تصور
أطرافها بما لذلك من تأثير قوي ومباشر في مسلكهم منها [11]. ومن السمات البارزة للأزمة الدولية:
- أن جوهرها يكمن في صعوبة التنبؤ بمجرياتها؛ لسببان: أولهما عدم قدرة أطرافها على التحكم الكامل في زمامها؛ وثانيهما عدم وجود معطيات كاملة وكافية يمكن الإعتماد عليها في التعرف بدقة على الأهداف والنوايا التي تضمرها أطراف الأزمة الدولية لبعضها البعض؛
- أن المناخ الذي تسوده عادة ما تمتلئ بالتهديدات المتبادلة
وعروض القوة, وكذلك بالتوترات النفسية والعاطفية الحادة؛
- أن أطرافها تميل - بشكل عام- إلى المبالغة في تصوير المخاطر, وتصحيح مضاعفاتها المحتملة على مصالحها, كما يزيد التركيز على الإعتبارات المتعلقة بالكرامة أو السمعة والجرأة في مواجهة الضغط والتهديد,.. إلخ [12].
ومن هنا فإن هناك ترادف بين التوتر والأزمة؛ فالأزمة هى الوصف لحالة التوتر بين الدول, وإن كانت تطلق - شائعا- على أنها المرحلة التالية لمرحلة التوتر من حيث الشدة؛ نتيجة وصول التوتر بين الدول الأطراف إلى مرحلة خطره تنذر باحتمال نشوب الحرب بينهم, فهى مرحلة متقدمة من مراحل الصراع الدولي, وهى المرحلة التي تسبق المواجهة العسكرية بين أطرافها. تبدأ بمجرد حدث ما لا يخبو بل يستمر تصعيدا, تبدأ مع التصريحات الرسمية التي تنتقد مواقف الأطراف الأخرى وغيرها من الإجراءات, ثم تزداد حدة التوتر لتنتقل إلى المرحلة التالية وهى مرحلة الأزمة, حيث تبدأ بإتخاذ الأطراف مواقف أكثر تشددا وحدة, مثل: المساس بالعلاقات الدبلوماسية أو تطبيق سلسلة من التدابير التي تستهدف الضغط على الخصم, وقد يصل الأمر إلى حد المواجهة المسلحة وإعلان الحرب بين أطراف الأزمة. ولذلك يكون من الصعب - في كثير من الأحيان- تحديد أبعاد الأزمة أو اتجاهاتها أو أطرافها وأهدافها, خصوصا إذا اتخذت مسارا معقدا, يصعب معه التنبؤ إلى ما ستؤول إليه الأمور, وقد تنتهي الأزمة بوصولها إلى أقصى مستوياتها وهى الحرب, وقد تنتهي بسلام دون الوصول إلى مثل هذه المرحلة. ومن أمثلة هذه الأزمات الدولية ( وربما أشهرها): أزمة الصواريخ الكوبية [13]
د- الحرب:
إن الحرب ليس أداة فض نزاع, وإنما ظاهرة على استخدام القوة المسلحة بين الأطراف في سبيل تحقيق أهداف أو مصالح أو حمايتها, أو لحسم نزاع حول المطالب أو المصالح المتعارضة بين هذه الأطراف. فالحرب هو نزاع نتيجة تعارض المطالب أو المصالح لكنه نزاع مسلح, وقد يكون النزاع المسلح هو نتيجة وامتداد لنزاع موجود أصلا ( كما في حالة استخدام القوة لحسم نزاع موجود حول ملكية إقليم ما), وقد يكون منفصلا عنه ومستقلا بذاته كما في حالة استخدام القوة لتحقيق أطماع استعمارية.
لمزيد من الإطلاع:
- المنازعات الدولية مقدمة للنظرية والتاريخ PDF - جوزيف س. ناي.
- حل النزاعات الدولية علي ضوء القانون الدولي PDF - بسكاك مختار.
[1] المعجم الوسيط, مجمع اللغة العربية, الطبعة الرابعة, مكتبة الشروق الدولية, 2003, ص 914.
[2] وفي ذلك تقول محكمة العدل الدولية في قضية أفريقيا الجنوبية الغربية عام 1962 بأنه:" لا يكفي في قضية خصومة أن يدعي طرف واحد وجود نزاع له مع الطرف الآخر, بل يجب إثبات أن إدعاء أحد الطرفين يواجه معارضة إيجابية من الطرف الآخر". انظر: موجز الأحكام والفتاوي الصادرة عن المحكمة ( 1948 - 1991), منشورات الأمم المتحدة, نيويورك, 1992, ص 82.
[3] وكون أن هذه الطائفة من المنازعات لا تندرج تحت طائفة المنازعات الدولية لا يعني أن القانون الدولي لم يضع القواعد المنظمة والواجب مراعاتها من قبل الأطراف في هذه المنازعات؛ فقد جاء في الملحق ( البرتوكول) الإضافي الثاني المبرم عام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة عام 1949 ( المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية) بأنه: " يسري هذا الملحق الذي يطور ويكمل المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف المبرمة عام 1949 ( التي تعدد الأحكام التي يتعين على كل طرف في النزاع أن يلتزم بها في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف المتعاقدة), دون أن تعدل من الشروط الراهنة لتطبيقها على جميع المنازعات المسلحة - التي لا تشملها المادة 1 من البروتوكول الإضافي الأول ( المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة) - والتي تدور على إقليم أحد االأطراف المتعاقدة بين قواتها المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى., وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة, وتستطيع تنفيذ هذا االملحق". وبالتالي يجب أن يكون للطرف المناهض للحكومة تنظيم عسكري ترأسها قيادة مسئولة عن سلوك أفرادها, وأن تمارس سيطرة على جزء من إقليم ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية, وأن تلجأ الحكومة في محاربتهم إلى القوة العسكرية, وأن تعترف لهم بصفة المحاربين بهدف تنفيذ هذه الإتفاقيات. ولكنها استثنت من سريان هذا الملحق على " حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية, مثل: الشغب والمظاهرات والإحتجاجات وأعمال العنف العرضية ( كالنزاعات الإنفصالية والحروب الأهلية أو الطائفية) والنادرة ( كالتمرد والعصيان والإنقلابات العسكرية), وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة".
وبالرغم من تنظيم أحكام هذه المنازعات باتفاقيات دولية؛ إلا أنها مازالت منازعات داخلية تتعلق بالشأن الداخلي؛ فتنص المادة 3 من ذات الملحق بأنه:" لا يجوز الإحنجاج بأي من أحكام هذا الملحق:
أ- بقصد المساس بسيادة أية دولة أو بمسئولية أية حكومة في الحفاظ بكافة الطرق المشروعة على النظام والقانون في الدولة, أو في إعادتها إلى ربوعها, أو في الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها؛
ب- أو كمسوغ لأي سبب كان للتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في النزاع المسلح, أو في الشئون الداخلية أو الخارجية للطرف المتعاقد الذي يجري هذا النزاع على إقليمه".
[4] وهذا ما نصت عليه المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة عام 1949, والتي تنص على أنه:" ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع", ومن هذه الخدمات إسعاف الجرحى وعلاج المصابين, والقيام بزيارة المعتقلين والمحتجزين,.. إلخ.
[5] د/ عبد الوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, الجزء الثاني, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, الطبعة الأولى, 1985, ص 181.
[6] هذا بالضبط ما أكدته محكمة العدل الدولية بحكمها الصادر في القضية المتعلقة بالكاميرون الشمالي عام 1963, فعندما دفعت جمهورية الكاميرون بأن كل ما سعت إليه هو الحصول على حكم تفسيري من المحكمة, بأن المملكة المتحدة كانت, قبل إنهاء اتفاق الوصاية ( فيما يتعلق بالكاميرون الشمالي), قد خرقت أحكامه, ردت المحكمة بأنه: " بإمكان المحكمة في الحالة المناسبة, النطق بحكم تفسيري, إلا أنه ينبغي لهذا الحكم أن يكون دائم الإنطباق. وفي هذه الحالة, كانت هناك منازعة على تفسير المعاهدة وتطبيقها, إلا أن المعاهدة لم تعد سارية ولا يمكن أن تكون هناك مندوحة ( سعة) لإجراء تفسيري أو تطبيقي مستقبلي وفقا لأي حكم قد تنطق به المحكمة". وأضافت المحكمة بأنه:" سواء كانت المحكمة وقت إيداع الطلب ولاية, أو لم تكن, للفصل في النزاع, فإن ما نشأ من ظروف فيما بعد, قد صير ولاية خلوا من الغرض. وفي هذه الأحوال, ترى المحكمة أن مضيها في القضية لن يكون أداءا صحيحا لواجباتها". انظر: ملخص أحكام وفتاوي المحكمة, مرجع سابق, ص 87.
[7] د/ إسماعيل صبري مقلد: العلاقات السياسية الدولية, دراسة في الأصول والنظريات, القاهرة, المكتبة الأكاديمية, 1991, ص 223.
[8] جيمس دورتي, وروبرت بفالتسغراف, النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية, ترجمة د/ وليد عبد الحي, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, الطبعة الأولى, 1985, ص 140.
[9] من ذلك الإجراء الذي اتخذته بريطانيا ضد سوريا, حيث قررت قطع علاقاتها معها؛ بحجة أن الأخيرة استخدمت الحقيبة الدبلوماسية المرسلة إلى بعثتها الدبلوماسية بلندن في تهريب أسلحة ومتفجرات, واستتبع هذا القرار وقف الرحلات الجوية بين البلدين.
[10] من ذلك - مثلا- زيارة الرئيس الإيراني للجزر الثلاث المتنازع عليها مع دولة الإمارات العربية, أو زيارة رئيس الوزراء الياباني لجزر متنازع عليها مع كوريا الجنوبية.
[11] د/ أحمد الرشيدي: التحكيم والقضاء الدولي " دراسة في آليات التسوية القانونية للنزاعات الدولية", 2000, ص 7.
[12] د/ أحمد الرشيدي, المرجع السابق, نفس الموضع.
[13] وتفاصيل هذه الأزمة أنه بعد نجاح فيدل كاسترو في الإطاحة بباتيستا حليف الولايات المتحدة بكوبا, بدأت الشركات الأمريكية بكوبا التي كانت تسيطر على المناجم والمزارع وصناعة السكر والخدمات العامة والسكك الحديدية والنفط في كوبا تستشعر الخوف على مصالحها من توجهاته الماركسية الشيوعية, وخاصة بعد إصداره قانون الإصلاح الزراعي. ثم بدأت تظهر بوادر أزمة دولية خصوصا في ظل التوترات بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي, وزاد الطين بله عندما قامت المخابرات المركزية الأمريكية بتقديم مساعدتها لمناهضيه على غزو كوبا والإطاحة بحكمه فيما عرف بعملية " خليج الخنازير", والتي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها, وهو ما ردت عليه حكومته بعقد مجموعة من الإتفاقيات التجارية بينها وبين الإتحاد السوفيتي وأسرت له - في الوقت ذاته- استعدادها لإنشاء قواعد صواريخ له بأراضيها, وهو ما وافق عليه الإتحاد السوفيتي أملا في أن تكون بمثابة وسيلة ضغط على الولايات المتحدة لفرض إرادتها عليه, وإخلال التوازن الإستراتيجي بينهما بالمنطقة.
وبدأت الأزمة في أكتوبر 1962 عندما أكدت أجهزة الإستخبارات الأمريكية وجود دلائل على وجود سلسلة من مواقع الصواريخ النووية والتي يكفي مداها لأن يهدد الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة بأكمله, والقادرة على حمل رؤوس نووية!. وأمام هذا الموقف الخطير كان أمام الولايات المتحدة عدة خيارات: إما ضرب هذه الصواريخ وهو ما لم تحبذه الإدارة الأمريكية؛ لأنها ستكون بمثابة إعلان بدء حرب عالمية نووية, وفضلت بدلا من ذلك اتخاذ إجراءات فورية تخلو - إلى حد ما- من المجازفة أو التصعيد تتمثل في فرض حصار بحري حول كوبا على السفن السوفيتية التي تحمل الأسلحة وتفتيشها لمنع وصول المزيد من المساعدات العسكرية لها, وتم رفع حالات الإستعداد القتالي بقاعدة جوانتانامو الأمريكية القريبة من كوبا تحسبا, وطالبت الاتحاد السوفيتي بسحب صواريخه ( النووية) من كوبا, والذي نفى في البداية وجود مثل هذه الصواريخ, وبعد تأزم الموقف عرض الإتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة الدخول في مفاوضات لحل هذه الأزمة, والتي وافقت على ذلك. وبعد عدة جلسات من المفاوضات بينهما عرض الإتحاد السوفيتي سحب الصواريخ من كوبا مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا, وسحب صواريخها الباليستية بتركيا, وإن كانت قد أعلنت الولايات المتحدة من قبل أنها ستسحب هذه الصواريخ, لكن الإتحاد السوفيتي أراد بذلك ظهوره بمظهر المنتصر من الأزمة بتحقيقه مكاسب سياسية, وانتهت الأزمة بسلام دون الوصل إلى حرب نووية, ونجح الحصار في إزالة الصواريخ من كوبا دون الإضطرار إلى الهجوم على كوبا وإزالة هذه الصواريخ بالقوة.
