الوساطة الدولية كإحدى وسائل فض المنازعات الدولية

أكتوبر 11, 2021

 

الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يتوسط الرئيس الفلسطين محمود عباس أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو

الكلمات المفتاحية: الوساطة, الوساطة الدولية, الوسيط الدولي, المنازعات الدولية, أطراف النزاع, الأطراف المتنازعة.

تُعد الوساطة نوعا من الوسائل السياسية الدبلوماسية لفض المنازعات الدولية, وهى وإن كانت لا تضاهي التفاوض مكانة, إلا أن دورها في فض وتسوية المنازعات الدولية لا يخفى على أحد, لاسيما تلك المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود. ولقد ذكرت الوساطة في القرآن الكريم في قوله تعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما".

وعلى صعيد تاريخ القانون الدولي العام فقد نصت اتفاقية لاهاي عام 1907 - الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية- على الوساطة ووضعت بعض القواعد المنظمة لها؛ فقد نصت المادة 2 منها بأنه:" في حالة وقوع خلاف خطير يكون على الدول المتعاقدة أن تتفق, قبل اللجوء إلى السلاح, أن تلجأ إلى الوساطة أو السعي في إصلاح ذات البين وذلك من قبل دولة أو أكثر من الدول الصديقة بأقصى مدى تسمح به الأحوال". وأكدت المادة 3 بأن:" مزاولة هذا الحق لا يمكن أن يعتبره أحد أطراف النزاع عملا غير مخلص". كما حدد ميثاق الأمم المتحدة ( في مادته ال 33) أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله, بادئ ذي بدء, بالوسائل السلمية ومن بينها الوساطة.

1- تعريف الوساطة:

لغويا: يقال " وسط الشئ": أي صار في وسطه. و"وسط القوم": أي توسط بينهما بالحق والعدل[1]. أما اصطلاحيا ( في القانون الدولي العام): فهو محاولة إصلاح طرف ثالث بين الأطراف المتنازعة.

 

أ- محاولة الإصلاح بين الأطراف المتنازعة:

إن الهدف من تدخل الوسيط هو العمل على التقارب والتأليف بين الأطراف المتنازعة, ومحاولة تخفيف حدة التوتر بينهم للحيلولة دون تفاقم نزاعهم وتصعيده, والعمل على إنهاء نزاعهم بإعادة الثقة بينهم وحثهم على فض وتسوية نزاعهم سلميا وقبول المبادرات المطروحة.

والوساطة هى " محاولة" الإصلاح بين الأطراف؛ ومن ثم فقد ينجح الوسيط في مساعيه وقد يفشل, ولعل هذا ما يميز الوساطة عن المفاوضات غير المباشرة؛ حيث أن الوسيط في المفاوضات غير المباشرة يقتصر دوره على نقل اقتراحات ومواقف الأطراف لبعضها البعض, ربما لأن أطراف النزاع لا يريدون أن يلتقيا وجها لوجه في مكان واحد, ودون أن يكون له أي دور في التسوية, سواء بالإقتراح أو الإقناع,.. أو غيرها.

 

ب- طرف ثالث ( الوسيط):

وهذا من أهم أركان الوساطة وعليه تقوم؛ والوسيط قد يكون شخصية دولية ( دولة, منظمة دولية), وقد يكون شخص حقيقي له مكانة دولية أو رسمية ( أمين عام منظمة دولية أو إقليمية, أو رئيس دولة سابق, أو إحدى فائزي جائزة نوبل للسلام, أو سفراء الأمم المتحدة للنوايا الحسنة,.. إلخ), أو مركز رفيع ( مثل: الكونت برنادوت والذي أوفدته الأمم المتحدة للتوسط بين العرب واليهود أثناء حرب 1948), أو شخصية دينية ( مثل بابا الفاتيكان الزعيم الروحي للروم الكاثوليك), وقد يكون الوسيط طرف واحد أو عدة أطراف تعمل معا أو بمفردها.

كما قد يكون هناك وسيط واحد يتوسط بين الأطراف المتنازعة ( الوساطة المباشرة) وهى الأكثر شيوعا. أو ينوب كل طرف في النزاع وسيط يتحدث بإسمه مع وسطاء الأطراف الأخرى ( الوساطة غير المباشرة), ويتولى هؤلاء الوسطاء نيابة عن الأطراف بتسوية النزاع وإبلاغ الأطراف موكليهم بالمستجدات ( لمعرفة رأيه ومدى رضاءه عن جهود الوسيط) وما تم التوصل إليه, وبعد الإنتهاء تعرض نتائج الوساطة على الأطراف ( مثل: وساطة الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق عن جمهوريتي ألمانيا الإتحادية " الغربية" وجمهورية ألمانيا الديمقراطية " الشرقية" بخصوص الحدود بينهما ومشكلة برلين).

وقد يتوسط هذا الطرف من تلقاء نفسه, ولكن الأطراف المتنازعة غير ملزمة بقبول توسطه ( مثل رفض الاتحاد السوفيتي وفنلندا اقتراح الولايات المتحدة بالتوسط بينهما أثناء حربهما عام 1939), وقد يكون توسطه بناءا على طلب من الأطراف أو أحدهما, ولكنه غير ملزم بإجابة طلبهم بالتوسط. فالتوسط - إذن- اختيارية وغير ملزمة للأطراف المتنازعة إلا في حالة وجود معاهدة تنص على خلاف ذلك ( مثل المعاهدة المبرمة في إطار منظمة الدول الأمريكية عام 1936), أو تعرض الأطراف لضغوط لقبولها.

وهناك العديد من الدوافع التي تدفع طرف ثالث للتدخل والتوسط بين الأطراف, منها: الرغبة في تحقيق السلام, أو الخوف من تفاقم الأوضاع, أو الخوف على مصالحه, أو للتأكد من عدم المساس بمصالحه في المفاوضات الجارية بين الأطراف, أو الخوف من لجوء هؤلاء الأطراف لوسائل أخرى لفض منازعاتهم - كاللجوء إلى المنظمات الدولية أو التحكيم والقضاء الدوليين- قد يكون من شأنها المساس بمصالحها, أو الرغبة في الحصول على وعود أو مكافأة من الأطراف إن نجح في مساعيه بينهم.

كما أن الأطراف المتنازعة قد يحددوا مهلة زمنية معينة للوسيط ( قابلة أو غير قابلة للتمديد) يقوم خلالها بمحاولة إنجاح وساطته, وقد تكون غير محددة زمنيا فتكون مستمرة حتى يصل الأطراف إلى تسوية, أو إعفاءه منها في أي وقت. كما أن وساطة الوسيط قد تكون علنية ما لم يرى الأطراف إبقاءها سرية لدوافع مختلفة. والأطراف غير ملزمة بالنتيجة التي تتوصل إليها الوساطة؛ فهم أحرار في الأخذ بها أو عدم الأخذ بها, ولا يمكن فرضها عليها, وإلا كان ذلك تجاوزا لحدود الوساطة ودور الوسيط.

ودور الوسيط ( الطرف الثالث) لا تتم دائما على وتيرة واحدة؛ فقد تكون مجرد حث ونصح الأطراف المتنازعة وصولا إلى ممارسة الضغوط عليهم لتسوية النزاع, فدور الوسيط قد يكون:

إما - 1- السعي بين الأطراف المتنازعة وحثهم على فض نزاعهم بالوسائل السلمية: أو ما يُطلق عليها " المساعي الحميدة" وهنا يقوم الطرف الثالث بالإجتماع مع الأطراف المتنازعة - كل على حدة- والسعي إلى إزالة ما بينهم من شقاق وخلاف, وحثهم على استئناف تسوية النزاع بينهم أو وضع حد لنزاعهم القائم, وهذا يختلف عن نقل الرسائل والخطابات والمذكرات, أو حثهم على اللجوء إلى التفاوض أو تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات النزاع وظروفه وأسبابه, أو اللجوء إلى التحكيم والقضاء الدولي, أو يطلب منهم عدم اللجوء إلى القوة لتسوية نزاعهم. ودور الوسيط هنا ينتهي برفض قبول وساطته, أو فشلها, أو بقبول الأطراف التفاوض أو استئنافها أو اللجوء إلى غيرها من الوسائل السلمية, إلا إذا قبل أطراف النزاع توسيع دوره ومشاركته في فض النزاع.

أو - 2- مشاركة الأطراف المتنازعة وإعانتهم في فض نزاعهم بالوسائل السلمية: وهنا يكون دور الوسيط أكثر إيجابية عن الحث على تسوية النزاع؛ فيدرس تفاصيل النزاع وظروفه وملابساته وأسبابه, ويشارك أطراف النزاع آراءهم ويعرض وجهة نظره, ويقترح الحلول, ويشترك معهم في المفاوضات مجتمعين أو كلا على حده. ودوره قد لا يكون مجرد دعم معنوي, بل ومادي بتوفير ما يحتاجه الأطراف في سبيل تسوية النزاع, فيمدهم بالخبراء حسب نوع النزاع, أو الأموال التي تساعدهم على تشكيل لجان التحقيق أو التوفيق أو اللجوء إلى الوسائل القضائية, أو بإعطاءهم وعود ( مكافآت) أو ضمانات ( بتنفيذ الطرف الآخر في النزاع جميع إلتزاماته) لتشجيعهم على تقديم التنازلات, أو مقايضة بعض مطالب أحد الأطراف بمطالب الطرف الآخر, أو الإشراف على انسحاب قوات الأطراف المتنازعة أو التأكد من إلتزامهم بالقواعد الدولية المتعلقة بالمنازعات الدولية مثل قوانين وأعراف الحرب.

وربما - 3- الضغط على الأطراف لإيجاد تسوية لنزاعهم, وقد يلجأ إلى الوسائل غير السلمية مثل: استخدام وسائل الضغط أو القوة لإجبارهم على تسوية نزاعهم, وربما عرض نزاعهم على منظمة إقليمية أو دولية بإعتباره يهدد السلم والأمن الدوليين.

2- مراحل الوساطة:

1- الإتصال الأولي: وفيها يقوم الطرف الوسيط بعد قبول وساطته, بالإلتقاء بأطراف النزاع لبناء أو إعادة الثقة بينهما, وتشجيعهم على ضبط النفس - على الأقل- حتى تنتهي وساطته, كما يشجع الأطراف على الإلتقاء والتفاوض.

2- الإعداد: وفيها يجمع المعلومات العامة عن أطراف النزاع, والنزاع القائم بينهما وجذوره التاريخية والوثائق المتعلقة به, وأبعاده وتداعياته؛ لدراستها وتحليلها. ثم يلتقي بالأطراف لجمع المزيد من المعلومات ومعرفة مطالبها وموقفها من النزاع وعروضها وثوابتها ومصالحها في النزاع. ثم يقوم بعد ذلك بتحليل هذه المعلومات ووضع الحلول والخيارات وتقديم الإقتراحات والتنسيق والمساومة بين المطالب والمصالح بطريقة عادلة ومنصفة تعطي لكل ذي حق حقه.

3- الإلتقاء بالأطراف: وفيها يعرض تحليلاته واستنتاجاته على الأطراف ومعرفة ردهم ومحاولة التنسيق المستمر بين الإتجاهات المتعارضة للأطراف المعنية, واستمرار الإتصال معهم وتسويغ تقديم التنازلات؛ للوصول إلى حل وسط مقبول منهم جميعا.

4- نتيجة الوساطة: وهنا قد ينجح الوسيط في مساعدة الأطراف على الوصول إلى موقف مشترك من نزاعهم, وغالبا ما يتم إدراج ما تم الإتفاق عليه في معاهدة يشهدها الوسيط. أما في حالة فشله في وساطته ومساعيه فإنه يحث الأطراف على التسوية السلمية لنزاعهم ومحاولة قبول نتيجة وساطته, وربما يحث الطرف المتعنت على التراجع عن موقفه وقبول التسوية, وربما يلجأ إلى ممارسة الضغط عليه بالترغيب أو الترهيب.

5- متابعة التنفيذ: في حال نجاح الوسيط في وساطته, فإنه غالبا ما يقوم بمتابعة التنفيذ بين الأطراف والتأكد من قيامهم بما تم الإتفاق عليه, وخصوصا حال قيامه بتقديم الضمانات أو الوعود لدفع الأطراف على قبول مبادراته أو اقتراحاته.



[1] المعجم الوجيز, مجمع اللغة العربية, طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم, سنة 1990, ص 668.

 

..................................................
..................................................